الأربعاء، 11 مايو 2016

فوائد من كتاب تدبر سورة الفاتحة – د. ناصر العمر

فوائد من كتاب تدبر سورة الفاتحة – د. ناصر العمر


تأملات قرآنية في سورة الفاتحة


بين يدي السورة

أولا : أسماؤها 

 لهذه السورة الكريمة أكثر من عشرين اسما ، وذلك يدل على شرفها ، فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى
فاتحة الكتاب :
هو أشهر أسمائها ، ووجه التسمية : أنها مفتتح القرآن ، وبها تفتتح الصلاة
أم القرآن : 
وجه تسميتها بذلك : اشتمالها على مقاصد القرآن
السبع المثاني : 
قال تعالى ﴿وَلَقَد آتَيناكَ سَبعًا مِنَ المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ﴾ [الحجر: ٨٧]
ذهب جمهور المفسرين إلى أن السبع المثاني هي سورة الفاتحة
سورة الصلاة :
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العبد  {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي... " الحديث
سورة الحمد : 
لافتتاحها به ، وغلبته عليها .
لها أسماء وردت في آثار لم يصح سندها ، وإن صح معناها : كالشفاء ، والشافية
ولها أسماء ليس لها أثر ، لكنها معان صحيحة مستنبطة من الآثار : الكافية ، الواقية ، الوافية

عدد آياتها : 

سبع آيات بالاتفاق ، ومن شذّ لا يعتد بشذوذه
اختلفوا في الآية التي تكون بها السورة سبعا : قال بعضهم هي البسملة ﴿ ﷽ ﴾ ( قول قراء أهل الكوفة ) ، وقيل : السابعة ﴿ أنعمت عليهم ﴾ ( قول قراء أهل المدينة )

نزولها :

الذي عليه جمهور أهل العلم وأكثر المفسرين أن سورة الفاتحة نزلت بمكة ، فهي السبع المثاني التي وردت في سورة الحجر ، ﴿وَلَقَد آتَيناكَ سَبعًا مِنَ المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ﴾ ، وسورة الحجر مكية بلا خلاف .

فضلها :

هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي امتن الله على رسوله به ﴿وَلَقَد آتَيناكَ سَبعًا مِنَ المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ﴾
نور أوتيه رسول الله ﷺ لحديث " أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة "
أعظم سورة في القرآن وفي الكتب السماوية كلها لحديث " والذي نفسي بيده ، ما أنزلت في التوراة ولا في الإنحيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها "
ركن من أركان الصلاة لحديث " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "

مقصد الفاتحة :

هو تحقيق التوجه إلى الله تعالى بكمال العبودية له وحده ، بإثبات استحقاقه لها ، لتفرده بالربوبية ، والإقرار له بالألوهية ، وسؤاله الهداية

اشتملت سورة الفاتحة على جميع مقاصد القرآن :

  • الثناء على الله بجميع المحامد ، وتنزيهه عن النقائص ، وإثبات تفرده بالألوهية ، وإثبات البعث والجزاء ،في قوله تعالى ﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ ۝ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ۝ مالِكِ يَومِ الدّينِ ۝
  • الأوامر والنواهي ، في قوله إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ ۝ اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ ۝
  • الوعد والوعيد في قوله  ﴿  صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾
  • إشارة إلى نوع قصص القرآن في قوله ﴿ غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ﴾

منهج الوسطية في سورة الفاتحة :

  • رسم القرآن الكريم لنا هذا المنهج في شتى جوانبه ، أصولا وفروعا ، عقيدة وعبادة ، خلقا وسلوكا ، تصورا وعملا ،
  • بدأ القرآن في رسم هذا المنهج من بدايته في أم الكتاب ، حيث إنها من أولها إلى آخرها تقرر هذه الحقيقة وتؤكدها .
  • أبرز آية ناطقة بذلك  ﴿ اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ ، صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ ﴾ فصراط الذين أنعم الله عليهم هو منهج الوسط ، أما منهج المغضوب عليهم يمثل التفريط ، بينما يمثل منهج الضالين الإفراط  ، فالاستقامة تعني الوسطية ، كما توضحها آية الفاتحة


  • قال ابن عاشور : هذه السورة وضعت في أول السور ، لأنها تُنزّل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن ... وذلك شأن براعة الاستهلال .
  • في افتتاح الكتاب العزيز بها برهان فضلها ورفعة قدرها ، وإشعار بيسر هذا الدين وقربه من أفهام الخلق ، لأن هذا هو الطابع العام للسورة
  • في وضعها بداية المصحف ، إشارة أنه ينبغي البدء بالأهم قبل المهم ، وبالأصول قبل الفروع
  • سورة الفاتحة شافية لأمراض القلوب والأبدان ، وحاجة القلوب إليها آكد
  • سورة الفاتحة أولها رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة ، والنعمة الحقيقية تكون بالرحمة والهداية
  • تختص سورة الفاتحة أنها سورة المناجاة ، حيث يقرؤها المسلم في كل ركعة من صلاته .
  • سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن ، ولم ينزل الله مثلها في كتبه
  • تدبر سورة الفاتحة يوصل لمرتبة الإحسان ، حيث إن أول طريق لإحسان العبادة هو أن يجمع المرء قلبه خال قراءة الفاتحة
  • اشتملت سورة الفاتحة على أعظم المقاصد : تحقيق كمال العبودية لله تعالى
  • أولها : بيان لأسباب استحقاق العبودية ﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ ۝ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ۝ مالِكِ يَومِ الدّينِ ۝
  • أوسطها : إقرار واعتراف بالعبودية ﴿ إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ ﴾
  • آخرها : وصف لطريق العبودية وطلب تحقيقه ﴿ اهدِنَا الصِّراطَ المُستَقيمَ ، صِراطَ الَّذينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضوبِ عَلَيهِم وَلَا الضّالّينَ ﴾


  • ذكرت سورة الفاتحة حق الخالق والمخلوق
نصفها الأول : إثبات استحقاق العبادة لله وحده
نصفها الثاني : ما يحقق للعبد حاجته وسعادته

  • اشتملت السورة على أصول العقيدة والأحكام والأخبار
أصول العقيدة :

  1. تقرير توحيد الله بأنواعه : الربوبية والألوهية والأسماء والصفات
  2. إثبات النبوة
  3. أقسام الخلق
  4. إثبات اليوم الآخر
  5. تقرير الإيمان بالقدر ، بإثبات أن هداية القلوب لله وحده

أصول الأحكام : 
في الإقرار بالعبودية التامة لله
أصول الأخبار : 
لأن أخبار القرآن جاءت في بيان أقسام الخلق الثلاثة : قسم عرفوا الحق وحادوا ، قسم جهلوا الحق ، وهم الضالون ، وقسم عرفوا الحق وعملوا به وهم المنعم عليهم


  • تظهر السورة سبق رحمة الله تعالى لغضبه ،
فقد ذكر تعالى رحمته في اسمي ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ في البسملة ، ثم كررهما في بداية السورة ، قبل أن يذكر المغضوب عليهم .


  • في سورة الفاتحة أركان التعبد القلبية :

  1. المحبة في ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾
  2. الرجاء في ﴿ الرحمن الرحيم ﴾
  3. الخوف في ﴿ مالك يوم الدين ﴾


  • في سورة الفاتحة شرطي قبول العبادة
الإخلاص : في قوله تعالى ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ ، فتقديم المعمول يفيد الحصر
المتابعة : لأن الله لا يقبل العمل إلا إذا كان على الصراط المستقيم ، وهو صراط الذي أنعم الله عليهم ، وأولهم الأنبياء


  • في سورة الفاتحة ستة من أسماء الله الحسنى :
الله
الرب
الرحمن
الرحيم
مالك
الملك ( في قراءة سبعية أخرى )



  • في سورة الفاتحة أصول الأسماء الحسنى

  1. الله : متضمن لصفات الألوهية
  2. الرب : متضمن لصفات الربوبية
  3. الرحمن : متضمن لصفات البر والجود والكرم


  • ذكر في سورة الفاتحة أعظم وأولى ما يذكر في موضعه :
  1. الحمد : أكمل أنواع العبادة
  2. الله : أعظم الأسماء الحسنى وأشملها
  3. رب العالمين : أعظم دلائل قدرته وكماله واستحقاقه للعبادة
  4. الرحمة : أقوى متعلق للعبد
  5. مالك يوم الدين : أكبر مظاهر ربوبيته الشاملة
  6. يوم الدين : أعظم الأيام
  7. إياك نعبد : أعظم حقوق الله
  8. إياك نستعين : أعظم حظوظ العبد
  9. اهدنا الصراط المستقيم : أعظم الأدعية
  10. الذين أنعمت عليهم : أفضل الناس
  11. المغضوب عليهم / الضالين : أكثر الفرق ابتعادا عن الحق



  • في سورة الفاتحة بيان لأهمية الدعاء وشدة حاجة المسلم إليه ، ولذلك افتتح الله تعالى كتابه في أول سورة منه بالدعاء، كما ختم به آخر سورة

في سورة الفاتحة آداب الدعاء :

  1. الإخلاص ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾
  2. المتابعة ﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ... ﴾ الآية
  3. الإلحاح فيه ؛ فسورة الفاتحة تقرأ في كل ركعة
  4. الجزم في الدعاء والعزم فيه ؛ وذلك بطلب الهداية ورجائها ﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾
  5. حضور القلب وعدم الغفلة ، وذلك من جهة تهيئ الداعي بالثناء على الله ، والإقبال عليه
  6. التوسل إليه : وقد جاء بأنواع ثلاثة
  7. التوسل بأسمائه وصفاته
  8. التوسل بالعمل الصالح ، لتقدم قوله ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾
  9. الدعاء للآخرين ، وإذا دعا المسلم لأخيه وكّل الله ملكا يقول له : ولك بمثل
  10. الدعاء بجوامع الكلم ، فقد جمع دعاء سورة الفاتحة خيري الدنيا والآخرة
  11. الجمع بين الخوف والرجاء ، فيطلب النعمة ﴿ اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ﴾
  12. ويستدفع النقمة ﴿ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾
  13. يستحب للداعي أن يكون على طهارة ، وهو شرط في الصلاة
  14. أن يقدم بين يدي دعائه التوبة ، كما في بعض أدعية الاستفتاح قبل قراءة الفاتحة


سورة الفاتحة تخلية وتحلية :

  1. تخلية من طريق الشيطان ( الاستعاذة ) إلى تحلية بالإنصراف لله رب العالمين ﴿ ﷽ ﴾
  2. تخلية من الكفر إلى تحلية بالشكر والحمد ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾
  3. تخلية من اليأس إلى تحلية بالثقة برحمة الله ﴿ الرحمن الرحيم ﴾
  4. تخلية من الغفلة إلى تحلية باليقظة والاستعداد لليوم الآخر ﴿ مالك يوم الدين ﴾
  5. تخلية من الشرك إلى تحلية بإخلاص العبادة ﴿ إياك نعبد ﴾
  6. تخلية من العجز إلى تحلية بالاستعانة بالله ﴿ وإياك نستعين ﴾
  7. تخلية من الضلال إلى تحلية بسؤال الهداية ﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾
  8. تخلية من الجهل والعناد إلى تحلية بالعلم والاتباع
  9. تخلية من طريق الضلال وأهله إلى تحلية باتباع طريق الهدى وأهله


﴿ ﷽ ﴾


  • الراجح وهو قول الجمهور أن البسملة ليست آية من سورة الفاتحة ، وبناء عليه فقراءتها سنة وليست وواجبة ، والسنة الإسرار بها
  • في البسملة تنبيه على أن العون التام والبركة إنما تكون من الله تعالى ، فلا تطلب من غيره .
  • البدء باسم الله رادع للمرء عن معصيته فيما يُقبل عليه ؛ فإن من عرف الله تعالى استحى أن يبدأ فعله للمعصية باسمه .
  • على المؤمن أن يسعى بأن تكون أعماله التي يقوم بها في الطيب مجانسة لهذا التعبير الطيب .
  • ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ صفتان للفظ الجلالة ، فيهما الدلالة على الذات والصفة والأثر
  • ﴿ الرحمن ﴾ ذو الرحمة الواسعة  ، دال على الصفة القائمة به سبحانه
  • ﴿ الرحيم ﴾ ذو الرحمة الواصلة ، دال على تعلق الرحمة بالمرحوم .
  • إذا جيء بـ ﴿ الرحمن ﴾ أو ﴿ الرحيم ﴾ لوحده ، لشمل الوصف والفعل ، لكن إذا اقترنا فُسّر ﴿ الرحمن ﴾ بالوصف ، و ﴿ الرحيم ﴾ بالفعل
  • ﴿ الرحمن ﴾ أوسع أسماء الله تعالى ، والرحمة أوسع صفاته ، والعرش أوسع مخلوقاته .
  • ﴿ الرحمن على العرش استوى ﴾ استوى بأوسع صفاته على أوسع مخلوقاته .
  • كل من استقرت في نفسه سعة رحمة الله ، لا يمكن أن يدب إليه اليأس ولو مثقال ذرة ، فهو متفائل في سرائه وضرائه .
  • اختيار هذين الاسمين في استفتاح القرآن يدعو للاطمئنان ، ففيهما الجمال والتهدئة والسكينة .
  • في اسمي ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ إشارة إلى ندب الخلق إلى التحلي بصفة الرحمة .


﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾


  • الحمد : هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم .
  • المدح : مجرد الوصف بالكمال ، دون محبة وتعظيم .
  • ﴿ الحمد ﴾ (( أل )) للاستغراق ، فلله المحامد كلها
  • اللام في ﴿ لله ﴾ ، للاستحقاق والاختصاص ، فالله تعالى مستحق للحمد ، مختص به .
  • الله تعالى يحمد على كمال ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، ويحمد على خلقه ونعمته ، وعلى وحيه وهدايته ، وعلى قضائه وقدره .
  • الحمد أخص من الشكر  ؛ لأن الحمد لا يكون إلا باللسان
  • والشكر أخصّ من الحمد من حيث ما يقع عليه ، فالشكر لا يكون إلا على النعمة

  • قُدّم وصف الألوهية على وصف الربوبية ، لأن اسم ﴿ الله ﴾ علم له ، فهو مختص به ، وتتبعه جميع الأسماء
  • الرب : من اجتمع فيه ثلاثة أوصاف : الخلق والملك والتدبير
  • ﴿ رب العالمين ﴾ دليل على تفرد الله تعالى بالربوبية ، لأن العالمين كل ما سوى الله
  • ﴿ رب العالمين ﴾ فيه رد على المشركين الذين يؤمنون بالرب لكن يشركون معه في العبادة ، فما دام ربهم جميعا فلا يستحق أحد العبادة غيره
  • في الآية إثبات النبوة ، فكونه رب العالمين ، لا يليق به سبحانه أن يترك خلقه سدى ، لا يعرفهم عبر رسله ما ينفعهم .
  • فيها الرد على الملاحدة الذين يرون أن العالم ليس له رب ، وهذا مخالف للعقول .
  • فيها رد على القدرية والجبرية ، فهو رب العالمين ، وبه يستعان على كل شيء، وعلى العبد إخلاص العبادة له ، وسؤاله المعونة والهداية .

﴿ الرحمن الرحيم ﴾


  • في ذكر الاسمين ثناء على الله ، والثناء معناه : تكرير الحمد
  • لما كان في اتصافه ﷻ برب العالمين ترهيب وتخويف ، أتبعه بالرحمن الرحيم لما فيه من الترغيب .
  • تقرر الآية نوعي تربية الله لخلقه :
  • تربية عامة : لجميع الخلق ، خلقه ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا
  • ويدل عليه اسم ﴿ الرحمن ﴾
  • تربية خاصة : تربيته لأوليائه بالإيمان ، ويوفقهم له ، ويكمله لهم ، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
  • ﴿ الرحيم ﴾ على وزن فعيل ، يفيد الديمومة والاستمرار ، بمعنى أن رحمته بالمؤمنين هي رحمة دائمة مستمرة لا تنقطع أبدا .
  • قدّم ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ لمعانٍ : أن رحمته ﷻ هي أهم مظاهر ربوبيته ، وأن رحمته سبقت غضبه ، وأنه خلق الخلق رحمة بهم .
  • قرن تعالى بين ربوبيته ورحمته ﴿ رب العالمين ، الرحمن الرحيم ﴾ لأن ذكر الربوبية والرحمة يؤدي إلى الحب ، فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها .
  • أعظم ما يستدر العبد به رحمة ربه : أن ينكسر بين يديه ، وأن يظهر عبوديته له وذله وعجزه وفقره
  • على المربي أن يتحلّى بالرحمة ، فالمصلح ينبغي أن يكون رحيما ،
  • من تعلّق بصفة من صفاته ﷻ -التي يليق بالعباد التحلي بها - أخذته بيده حتى تُدخله عليه .
  • في الآية تقرير لعقيدة الإيمان بالقدر ، لأن الإنسان يرجو رحمة الله تعالى ، وهو يعلم فقره إليه .
  • في الآية رد على الجهمية والمعتزلة ومنكري الصفات ، وعلى الخوارج الذين يأخذون بجانب الخوف دون الرجاء .

﴿ مالك يوم الدين ﴾


  • هذه الآية تمجيد للرب ﷻ ، والتمجيد : التعظيم ، وهو هنا بإفراده بالملك يومئذ بلا دعوى من أحد
  • في الآية إثبات اليوم الآخر ، والبعث ، والحساب والجزاء ، والرد على منكريه
  • ذكر أنه ﴿ مالك يوم الدين ﴾ بعد ذكر كونه ﴿ رب العالمين ﴾ بيان لكونه تعالى ليس ربا للعالمين في الدنيا فحسب ، بل في الدنيا والآخرة، وأن مقتضى حمده ورحمته وعدله أن يجازي العاملين على أعمالهم
  • خُصّ يوم الدين بإضافة الملك إليه ﷻ ، لخطورته وعظمه ، ولأنه ختام الأيام وثمرتها ، ولأنه يظهر فيه ملك الله كاملا
  • من فقه اسم الله : المالك ، والملك ، وفهم أن الملك كله لله ، صحّح نظرته للخلق، وعرف أنهم مهما بلغوا ، ومهما ملكوا من أموال ومناصب وألقاب ، إلا أنهم في حقيقة أمرهم فقراء عاجزون مملوكون لربهم
  • الآية تدفعنا إلى أن نخاف الله تعالى في عباده ، وألا نخاف عباده فيه
  • سُمي يوم القيامة بيوم الدين ، لأنه يوم الجزاء بالعدل ويوم القهر ، ففيه يدان الناس في الحقوق بعضهم من بعض ، ويدين الله الناس بأعمالهم فيجازيهم عليها
  • إذا كانت نعم الله تعالى تستحق الحمد ، فإن ملكه ليوم الدين محمدة يستحق عليها الحمد الكثير ، لأن ملكيته لهذا اليوم هي التي حمت حق كل ضعيف ، وكل مظلوم ظلم في الدنيا
  • في الآية إشارة إلى أن الحياتين ( الدنيا والآخرة ) متصلتان في حقيقتهما ، بينهما فاصل هو الموت


﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾


  • هذه الآية سماها بعض العلماء "سر القرآن" فإليها يرجع فعل الإنسان وهو التعبد، فالدين كله مرجعه إلى هذه الآية
  • في قوله تعالى ﴿ إياك نعبد ﴾ إثبات النبوة ، فإن طريق التعبد لا يعرف إلا عن طريق رسله
  • في قوله ﴿ وإياك نستعين ﴾ إيمان بالقدر ، لأن العبد يطلب العون من الله القادر على كل شيء، المتصرف كيف يشاء

  • قدّم المعمول على العامل ولم يقل " نعبدك ونستعين بك " دلالة على الحصر والمعنى ، نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة ، وفيه الأدب مع الله ، بتقديم اسمه على فعلهم ، وشدة العناية به
  • كرر الضمير "إياك" للدلالة على قوة الاقتضاء والتخصيص والاهتمام
  • في ﴿ إياك نعبد ﴾ إشارة لتحقيق معنى لا إله إلا الله ، فتقديم إياك نفي : بالكفر بما يعبد من دون الله ، وفي " نعبد " إثبات وإفراده تعالى بالعبادة
  • الاستعانة الصادقة تجمع أصلين : الثقة بالله ، والاعتماد عليه
  • قدم العبادة على الاستعانة من باب تقديم المقاصد على الوسائل ، وتقديم حق الخالق على حق المخلوق
  • عطف ﴿ إياك نستعين ﴾ على ﴿ إياك نعبد ﴾ يفيد : أن من سعى للخير فحقق العبادة لله ، فإن الله يحقق له العون
  • درجات العون والولاية ، تتفاوت بحسب تفاوت الناس في العبادة ، فكلما كان المرء أكثر تعبدا لله ، حصل له من العون والتأييد ما هو أكثر
  • في قوله ﴿ وإياك نستعين ﴾ تحقيق لكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله
  • قوله ﴿ إياك نعبد ﴾ علاج للرياء ، لأن فيه تذكير بمقام الإخلاص
  • ﴿ وإياك نستعين ﴾ علاج للكبر ، لأن فيه تذكير بحاجة العبد لربه
  • ﴿ إياك نعبد وإياك نستعين ﴾ فيها :
  • تذكير بأن هذا الدين الحنيف هو الرابطة بين المسلمين ، وقيمة الجماعة في الإسلام ، والعمل على تقويتها

﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾


  • جاءت بعد ذكر الاستعانة ؛ فأعظم ما يُستعان بالله تعالى عليه ، الهداية إلى الصراط المستقيم
  • ﴿ اهدنا ﴾ في فاتحة الكتاب ، دليل على أن كتاب الله كتاب هداية ، فمن طلب الهدى به هداه الله
  • في الآية تنبيه على بطلان البدع ووجوب متابعة النبي ﷺ لأن الله لا يقبل العمل إلا إذا كان وفق الصراط المستقيم
  • الهداية مما فرض الله تعالى سؤاله وعظّم منته بها ، وهي أجلّ ما يطلب ، ونيلها أشرف ما يوهب
  • الهداية نوعان : هداية التوفيق والإلهام ، وهداية الدلالة والإرشاد ، وهنا يسأل العبد مولاه كلتا الهدايتين
  • في الآية إشارة إلى إثبات النبوة ، لأن سؤال الله الهداية يستلزم إرسال الرسل ، لأن هداية الدلالة والإرشاد إلا بإرسال الرسل
  • في الآية إيمان بالقدر ؛ لأن العبد يطلب الهداية ممن يملكها ، ويعترف بقدرته عليها
  • في قوله ﴿ اهدنا ﴾ سؤال الهداية للجميع ، فيه إشارة إلى حرص المؤمن على الدعوة ، والتفات المسلم لنفسه وإخوانه فيشملهم بالدعاء
  • سؤال الهداية يتضمن أمرين :

  1. ثبتنا على الصراط المستقيم حتى لا نزيغ وننحرف عنه
  2. قوّ هدايتنا ، فالهداية درجات ، والمهتدون طبقات

  • ﴿ الصراط ﴾ وحّد الصراط لأنه واحد ، وعرّف مرتين : تعريف باللام ﴿ الصراط ﴾ ، وتعريف بالإضافة في الآية التالية ﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ﴾ ، وذلك يفيد تعيينه واختصاصه وأنه صراط واحد ، لأن المراد الصراط المعين الذي نصبه
  • تكرار ذكر الصراط مرتين ، فكأن المؤمنين كرروا طلب الهداية مرتين
  • الصراط في اللغة ما جمع خمسة أوصاف : أن يكون طريقا مستقيما ، سهلا ، مسلوكا ، واسعا ، موصلا للمقصود
  • من سلك الصراط في الدنيا وثبت عليه ، ثبّته الله تعالى على الصراط في الآخرة حتى يصل إلى الجنة ، لأن الجزاء من جنس العمل .

﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾


  • تفصيل بعد إجمال لقوله تعالى ﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾
  • وفائدته : إذا جاء التفصيل بعد الإجمال ، ورد على نفس مستعدة لقبوله متشوفة إليه
  • وفيه دليل على أن العقل لا يستقل بإدراك تفاصيل الصراط المستقيم ، بل هو مفتقر في ذلك إلى الشرع

  • ختمت الفاتحة بتقسيم الناس إلى ثلاثة أصناف على أساس العلم والعمل :
  • المنعم عليهم بنعمة الإيمان والهداية علموا وعملوا
  • المغضوب عليهم : علموا الحق ولم يعملوا به وجحدوه
  • الضالين : يعملون بلا علم

  • في الآيتين إثبات للنبوة ، لأن تقسيم الناس بحسب اتباعهم للرسل أو مخالفتهم
  • مما يعين على السير على الصراط المستقيم : العلم بالهدى واتباعه ، والعلم بالباطل واجتنابه

  • ذكر المنعم عليهم يُظهر صفات الكرم والحمد والرحمة ، وذكر المغضوب عليهم والضالين يظهر صفات القدرة والمجد

  • في تخصيصه لأهل الصراط المستقيم بالنعمة ، ما دلّ على أن النعمة المطلقة هي الموجبة للفلاح الدائم ، وأما مطلق النعمة فعلى المؤمن والكافر ، فكل الخلق في نعمة.
  • لا يكون العبد مُنعَما عليه بالنعمة المطلقة إلا بأمرين : علم بالحق ، وعمل به ؛ علم يهدي وعمل يُرقّي

  • ﴿ الذين أنعمت عليهم ﴾ ولم يقل : المنعم عليهم كما قال ﴿ المغضوب عليهم ﴾ وفيه :
  • أن أفعال الإحسان والجود تضاف إلى الله ، أما أفعال العدل والجزاء والعقوبة فتبنى للمفعول ، وهذه هي عادة القرآن
  • أن الإنعام بالهداية يستوجب شكر المنعم بها ، وأصل الشكر ذكر المنعِم والعمل بطاعته ، وكان من شكره إبراز الضمير المتضمن لذكره تعالى
  • أن النعمة بالهداية لله وحده ، فاقتضى اختصاصه بها بأن يضاف بوصف الإفراد ، وأما المغضوب عليهم فإن الله يغضب عليهم ، ويغضب المؤمنون موافقة لغضب ربهم
  • أن المنعم عليهم في مقام الإشارة إليهم ، والإشادة بذكرهم ، أما المغضوب عليهم فهم في مقام الإعراض وترك الالتفات إليهم

  • أسباب الخروج عن الصراط المستقيم ، والوقوع في شرك الشبهات والشهوات : إما الجهل ، أو العناد والهوى

  • ﴿ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾ ليس بتخصيص يقتضي نفي كل صفة عن أصحاب الصفة الأخرى ، فإن كل مغضوب عليه ضال ، وكل ضال مغضوب عليه ، ولكن ذكر كل طائفة بأشهر وصفيها

  • ﴿ المغضوب عليهم ﴾ التعبير باسم المفعول عنهم ، دليل على أن الغضب حاصل من الله وأوليائه ، وفي حذف الفاعل إشعار بإهانتهم ، وتحقير وتصغير شأنهم

  • قدّم الله الغضب على الضلال ، لمجاورته للإنعام ، فإن الإنعام يقابل بالانتقام ، فناسب تقديمه
  • ولأن أمرهم أخطر ، وذنبهم أكبر ، لأن الضلال إذا كان بسبب الجهل ، فإنه يرتفع بالعلم ،وأما إذا كان بسبب الهوى ، فإنه لا يكاد ينزع

  • في الآية تحذير علماء المسلمين وعبادهم من التشبه باليهود والنصارى في اتباع الهوى والجهل
  • وفيها دلالة على أنه سيكون في الأمة افتراق وانحراف عن الصراط المستقيم
  • وفيها رد على من صحح دين اليهود والنصارى بعد بعثة النبي ، فهم ليسوا على صراط مستقيم
  • وفيها دليل على أن من مات على اليهودية أو النصرانية ، فهو من أهل النار
  • وفيها رد على من قال بحرية الأديان ، أو دعا إلى تقاربها ، أو قال بعدم نقضها وبطلانها
....................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة لــ مثاني القرآن 2015 ©