هذه مجموعة فوائد من كتاب ( الإعجاز العلمي إلى أين؟ ) للدكتور مساعد الطيار:
١-
ما من نبي إلا وكانت له آية تدل على صدقه في كونه مرسلاً من ربَّ العالمين، لكن
هذا لا يلزم منه أن تكون آيات الأنبياء عليهم السلام قد حُكيت لنا.
٢-
الأنبياء عليهم السلام تكون لهم أكثر من آية، وتتمايز هذه الآيات في عظمتها، لذا
لا يلزم أن تكون كل آية من آياتهم مما برع به أقوامهم، وإنما يقال: مما يدركه
أقوامهم.
٣-
شاع تسمية آيات الأنبياء عليهم السلام بالمعجزات، حتى غلب لفظ المعجزة على لفظ
الآية في آيات الأنبياء، والوارد في القرآن تسميتها بالآية والبرهان والسلطان والبيِّنة.
٤-
الآية: العلامة الدالة على صدق الرسول بأنه مُرسل من ربه، وهذا المصطلح هو الغالب
في القرآن والسُّنَّة من بين المصطلحات الأخرى التي جاءت فيهما، وبقي هذا المصطلح
في كلام الصحابة، والتابعين وأتباعهم.
٥-
لو وازنْتَ بين مصطلح القرآن والسُّنّة (الآية)، وهذا المصطلح الحادث (المعجزة) =
لبان لك أن مصطلح القرآن والسُّنّة لا يحتاج إلى تلك الشروط التي عَرَّف بها هؤلاء
مصطلح المعجزة؛ لأن الآية هي العلامة الدالة على صدق النبي، وهي مستلزمة لذلك إذا
نطق بها، وعلى هذا جميع آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
٦-
أما مصطلح المعجزة، فاحتاج من يقول بها إلى تقييدات لها سمَّوها (شروط المعجزة)،
وقد بُنيت هذه الشروط شيئاً فشيئاً حتى تكاملت إلى سبعة شروط عند المتأخرين:
قال
الإيجي: (البحث الأول في شرائطها، وهي سبع:
الأول:
أن يكون فعل الله أو ما يقوم مقامه ...
الثاني:
أن يكون خارقاً للعادة إذ لا إعجاز دونه ...
الثالث:
أن يتعذر معارضته، فإن ذلك حقيقة الإعجاز.
الرابع:
أن يكون ظاهراً على يد مدعي النبوة ليعلم أنه تصديق له ...
الخامس:
أن يكون موافقاً للدعوى ...
السادس:
ألا يكون ما ادعاه وأظهره مكذباً له ...
السابع:
أن لا يكون متقدماً على الدعوى بل مقارناً، لها لأن التصديق قبل الدعوى لا يعقل
...)
المواقف
للإيجي، تحقيق عبد الرحمن عميرة
٧-
اشتراط التحدي في تسمية المعجزة ليس بسديد، وإنما الذي دعا إليه هو حصر الحديث عن
آيات الأنبياء بالآية العظمى لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، وهي القرآن الكريم الذي
تحدى الله به الإنس والجن.
٨-
بعض العلماء ذهب إلى التفريق بين المعجزة والكرامة بتفريقات منها: أن المعجزة
يتحدى بها النبي عليه الصلاة والسلام، والكرامة تقع للولي ولا يتحدى بها، وهذا
التفريق محض اصطلاح.
٩-
ومن أهم الشروط التي ذكروها: أن المعجزة تكون مقرونة بالتحدي، وهذا الشرط لا
يتناسب مع كثير من معجزاتهم، بل إنها كلها ـ إلا القرآن ـ لم يُتحدَّ بها،
١٠-
مما يحسن التنبه له في موضوع (معجزات ـ آيات ـ الأنبياء) أنها ليست هي الطريق
الوحيد لإثبات نبوة الأنبياء، لذا تجد أن أغلب الناس يؤمنون بدون أن يظهر لهم
البرهان والحجة على معجزة من المعجزات.
١١-
مما يحسن التنبه له في (إعجاز القرآن) أن هذا المصطلح أحدث بلبلة في التفريق بين
ما تُحدِّي به العرب صراحة وبين (دلائل الصدق) الأخرى التي فيه التي سمَّاها
العلماء (أنواع الإعجاز القرآني)؛ كالإخبار بالغيوب، فظنَّ بعض الناس أنها داخلة
في التحدي.
١٢-
إذا جمعت الوجوه التي حُكيت في أنواع الإعجاز ـ سوى الصرفة ـ وجدت أنها لا تكون في
كل سورة، بل تتخلف في كثير من السور، فمثلاً: ليس في كل السور إخبار بالغيب. أما
الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء فهو الوجه المتحدى به، وهو ما يتعلق بالنظم
العربي لهذا القرآن (لغة وبلاغة وأسلوباً).
١٣-
جاز لنا أن نعدل عن مصطلح (أنواع إعجاز القرآن) إلى (دلائل صدق القرآن)، فإنه يمكن
القول بأن وجوه صدق هذا الكتاب تظهر في جوانب كثيرة جداً.
١٤-
بعض دلائل الصدق (أنواع الإعجاز) ليست مختصةً بالقرآن، بل هي مرتبطة بكلام الله
سبحانه وتعالى.
١٥-
ما يحكيه بعض المعاصرين من وجوه إعجاز جديدة؛ كإطلاق مصطلح (الإعجاز العقدي) أو
(الإعجاز التشريعي) أو (الإعجاز العلمي) أو غيرها = فإنها غير مختصَّة بالقرآن
وحده، بل هي عامَّةٌ في كلام الله النازل على رسله.
١٦-
موضوع الإعجاز العلمي يدخل تحت التفسير بالرأي، فإن كان المفسر به ممن تأهل
وعَلِمَ، كان تفسيره محموداً، وإن لم يكن من أهل العلم فإن تفسيره مذموم، وإن كان
قد يصل إلى بعض الحقِّ.
١٧-
إنَّ الإعجاز العلمي يدخل في ما يسمَّى بالإعجاز الغيبيي، وهو فرع منه، إذ مآله
الإخبار بما غاب عن الناس فترة من الزمن، ثمَّ علمه المعاصرون.
١٨-
قصارى الأمر في مسألة الإعجاز العلمي أنَّ الحقيقة الكونية التي خلقها الله، وافقت
الحقيقة القرآنية التي تكلم بها الله، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المتكلم عن الحقيقة الكونية
المخبر بها هو خالقها، فلا يمكن أن يختلفا البتة.
١٩-
إن كثيراً ممن كَتب في الإعجاز العلمي ليس ممن له قدم في العلم الشرعي فضلاً عن
علم التفسير
وكان
من أخطار ذلك أن جُعلت الأبحاث في العلوم التجريبية أصلاً يُحكم به القرآن،
وتُؤوَّل آياته لتتناسب مع هذه النظريات والفرضيات.
٢٠-
إن كتاب الله أعلى وأجلَّ من أن يُجعل عرضة لهذه العقول التي لم تتأصل في علم
التفسير، فأين هم من قول مسروق: «اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله»؟
٢١-
في نسبة الإعجاز، أو التفسير إلى «العلمي» خلل كبير، وأثر من آثار التغريب الفكري،
فهذه التسمية منطلقة من تقسيم العلوم إلى أدبية وعلمية، وفي ذلك رفع من شأن العلوم
التجريبية على غيرها من العلوم النظرية التي تدخل فيها علوم الشريعة.
٢٢-
ومما يلاحظ في أصحاب الإعجاز العلمي عدم مراعاة مصطلحات اللغة والشريعة، ومحاولة
تركيب ما ورد في البحوث التجريبية على ما ورد في القرآن
٢٣-
إنَّ بعض من نظَّر للإعجاز العلمي، وضع قاعدة، وهي: أن لا يفسَّر القرآن إلا بما
ثبت حقيقة علمية لا تقبل الشكَّ، لئلا يتطرق الشك إلى القرآن إذا ثبت بطلان فرضية
فسِّرت بها آية.
وهذا
القيد خارجٌ عن العمل التفسيري، ولا يتوافق مع أصول التفسير.
٢٤-
من الذي يُثبتُ أنَّ هذه القضية صارت حقيقةً لا فرضية؟
أي:
من هو المرجع في ذلك؟ أيكفي أن يُحدِّثَ بها مختصٌّ؟
٢٥-
بالنسبة للمفسِّر، فإنه لا يمكنه أن ينكر ما يُحكمُ بثبوته من حقائق العلم
التجريبي؛ لأنه لا يملك الأدوات التي يصل بها إلى أن يثبت أو ينكر.
٢٦-
عمل المفسِّر هنا أن يرى صحة انطباق تلك القضية على ما جاء في القرآن من جهة دلالة
اللغة والسياق وغيرها
إن
الربط بين ما يظهر في البحث التجريبي المعاصر وبين ما يرد في القرآن إنما هو من
عمل المفسِّر به، كائناً من كان هذا المفسر، ومهمته في هذا بيان معاني القرآن.
٢٧-
إن موضوع الإعجاز العلمي طويل جدّاً، ولست ممن يردُّه جملة وتفصيلاً، لكنني أدعو
إلى تصحيح مساره، ووضعه في مكانه الطبيعي دون تزيُّدٍ وتضخيم .
٢٨-
إنَّ أي تفسير جاء بعد تفسير السلف، فإنه لا يقبل إلا بضوابط، وهذه الضوابط:
1
- أن لا يناقض (أي: يبطل) ما جاء عن السلف (أعني: الصحابة والتابعين وأتباع
التابعين)
2
- أن يكون المعنى المفسَّر به صحيحاً.
3
- أن يتناسب مع سياق الآية، وتحتمله الآية.
أن
لا يُقصَر معنى الآيةِ على هذا المعنى المأخوذ من البحوث التجريبية.
٢٩-
إن وجد إشارةٌ في القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية فإنها لم
تكن هي المقصد الأول، ولم ينْزل القرآن من أجلها،
٣٠-
المعلومات العقدية والشرعية ـ أي: كيف يعرفون ربهم، وكيف يعبدونه ـ هي الأصل
المراد بإنزال القرآن وهي التي تكفَّل الله ببيانها للناس، أما المعلومات الدنيوية
بما فيها العلوم التجريبية فهي موكولة للناس كما سبق، وإن جاءت فإنها تجيء مرتبطة
بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعاً وليس أصالةً؛ أي: أن القرآن لم
يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها على توحيد الله وأحقيته
بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر.
٣١-
القضايا العلمية التي يفسر بها من يبحث في الإعجاز أو التفسير العلمي لا يدركها
إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمِراس.
٣٢-
الفرق بين القرآن والعلم التجريبي في تقرير القضية العلمية:
⁃ أن القرآن يقررها حقيقة حيث كانت وانتهت، والعلم
التجريبي يبدأ في البحث عنها من الصفر حتى يصل إلى الحقيقة العلمية
⁃ القرآن يذكر القضية العلمية مجملة غير مفصلة، أما العلم التجريبي فينحو إلى تفصيل المسألة العلمية.
•
علم البشر قاصر غير شمولي، ونظره من زاوية معينة، لذا قد يغفل عن جوانب في القضية،
فيختلَّ بذلك الحكم ونتيجة البحث.
٣٣-
قد تكون بعض القضايا العلمية صحيحة في ذاتها، لكن الخطأ يقع في كون الآية تدلُّ
عليها، وتفسَّر بها.
٣٤- موقف المسلم من قضايا العلوم التجريبية المذكورة في القرآن:
⁃ الإيمان بالقضية الكونية التي ذكرها القرآن لا
يحتاج إلى إدراك الحسِّ، بل يكفي ورودها في القرآن، بخلاف القضايا العلمية التي
يحتاج الإيمان بها إلى الحسِّ، سواءً أكانت هذه القضايا مذكورة في القرآن أم لم
تكن مذكورة.
⁃ المسلم مطالب بالأخذ بظواهر القرآن، وأخذه بها يجعله يسلم من التحريف أو التكذيب بها، ولو
كانت مخالفة لقضايا العلم التجريبي المعاصر.
⁃ إذا عارضت النظريات العلمية، ولو سُميت حقائق علمية فإنه لا يلزم الإيمان بها، بل يقف المسلم عند ظواهر القرآن
٣٥-
يجب الحذر من حمل مصطلحات العلوم المعاصرة على ألفاظ القرآن وتفسيره بها.
36•
البحوث العلمية الناتجة عن الدراسات لا يلزم مصداقيتها، وهي درجات من حيث
المصداقية، لذا ترى دراسة علمية تذكر فوائد شيء، وتأتي دراسة تناقضها في هذه
الفوائد.
٣٧-
ممَّا يلاحظ على من كتب في الإعجاز العلمي أنه لم يبيِّن علاقته بمفهوم المعجزة
كما استقرَّ عند العلماء السابقين الذين كتبوا فيها، بل راح بعضهم يتلمَّس مفهوماً
جديداً يتناسب مع مفهوم الإعجاز العلمي عنده، فراح يورد معاني مادة عجز في اللغة،
حتى إذا ما ظَفِرَ بمعنى (السَّبق) عضَّ عليه.
٣٨-
لا تظهر علاقة تعريف الإعجاز العلمي ـ الذي هو عندهم نوع من أنواع إعجاز القرآن
الكريم ـ بتعريف المعجزة كما نقلوه عن العلماء السابقين نقل تقريرٍ وقَبول.
٣٩-
إن من تكلم عن الإعجاز العلمي يحرص على جعله نوعاً جديداً مستقلاًّ، وتراه يجعله
خاصّاً ـ في معظمه ـ بالآيات الكونية، والعلوم التجريبية.
٤٠-
التحدي الحقيقي يقوم على من يملك أدوات التحدِّي دون من يفقدها، وهي بالنسبة له من
العدم.
وإذا
كان هذا بيِّناً، فإنه يظهر أنَّ التحدي لم يكن بغير ما كانوا بارعين فيه، عارفين
له، ومالكين لأزمَّة أمره، وهو جانب النظم والبيان، أما غيره مما انسبك في هذا
النظم من أمور تشريعية وتاريخية وغيبية وغيرها، فهي مما لم يُطالبوا بالإتيان
بمثله؛ لأنهم غير قادرين عليه أصلاً،
٤١-
إن النتيجة التي سيصل إليها من يريد البحث في هذا المجال هي صدق القرآن وأنه وحي
منَزَّل من عند الله.
والمقصود
أنَّ نهاية البحث في هذا الموضوع هو التنبيه على صدق القرآن إذ أخبر عمَّا كان
خافياً عن البشر إبَّان نزوله، فظهر بتقدم الزمن .
٤٢-
يُنتبه لأمور:
الأول:
أن لا يُسمى البحث في قضايا العلم التجريبي بهذا الاسم (الإعجاز العلمي).
الثاني:
أن لا يُنطلق في الحديث من القرآن لأجل إثبات أن القرآن قد تحدث عن هذه القضية أو
تلك.
الثالث:
أن يُنطلق في الحديث عن هذه الأمور من باب بيان عظمة الله في خلقه، وإن جاءت
الآيات في البحث عن عظمة الله في خلقه فمجيئها على سبيل الاستشهاد لا على سبيل
تقرير ما فيها من أمور متعلقة بالبحوث التجريبية.
٤٣-
من خلال قراءتي فيما سطَّره بعض المعاصرين ممن اعتنوا بإبراز (الإعجاز العلمي) في
كتاب الله سبحانه وتعالى؛ رأيت أن اعتمادهم على المأثور عن السلف قليلٌ جداً،
وجُلُّ اعتمادهم على كتب التفسير المتأخرة، فتراهم ينسبون القول إلى القرطبي وأبي
حيان والشوكاني على أنهم هم السلف
٤٤-
في هذا العصر الذي برز فيه سلطان العلوم الكونية والتجريبية سعى نفر من المسلمين
إلى إبراز سبق القرآن إلى كثير من هذه المكتشفات المعاصرة، لكنَّ بعضهم تنقصه
الآلة التي يستطيع بها معرفة صحة مطابقة تلك القضية في تلك العلوم للآية التي يحمل
عليها ذلك التفسير الحادث، كما أن الملاحظ على هؤلاء أنهم لا يعرفون قول السلف في
الآية.
-
تكاد تتفق كلمة الباحثين في الإعجاز العلمي على أن المراد به: سبق القرآن إلى
الإخبار بأمور كانت غير معلومة للجيل الذين نزل عليهم القرآن، وظهرت معرفتها في
هذا العصر المتأخر.
٤٦-
إن أي مفسر ـ كائناً من كان ـ إذا أقدم على التفسير وهو غير عالم بطريقة التعامل
مع تفسير السلف حال الاتفاق وحال الاختلاف، فإنه سيقع في تفسيره خلل بسبب نقص علمه
في هذا المجال، إلا أن يكون ناقلاً لا رأي له، وبهذا يكون خارجاً عن أن يكون
مفسراً.
٤٧-
ضوابط قبول التفسير المعاصر:
الضابط
الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته:
1
- أن تدلَّ عليه لغة العرب، وذلك في تفسير الألفاظ أو الصيغ أو الأساليب.
وهذا
يعني أن تفسير ألفاظ القرآن بمصطلحات علمية سابقة له ، أو مصطلحات لاحقة لا يصحُّ
البتة؛ لأن ألفاظه عربية.
يؤخذ
من لسان العرب، ولغة القرآن، لا من هذه المصطلحات
2
- أن لا يخالف مقطوعاً به في الشريعة.
فإن
ما لا يوافق الشريعة لا يمكن أن تدل عليه آيات القرآن بحال.
الضابط
الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:
ويمكن
معرفة ذلك بطرق، منها أن تدلَّ عليه بأي وجهٍ من وجوه الدلالة: مطابقةً أو
تضمُّناً أو لزوماً، أو مثالاً لمعنى لفظ عام في الآية، أو جزءاً من معنى لفظ من
الألفاظ، أو غير ذلك من الدلالات التي يذكرها العلماء من أصوليين وبلاغيين ولغويين
ومفسرين.
وهذا
الضابط مهمٌّ للغاية، إذ قد يصحُّ القول من جهة وجوده في الخارج، لكن يقع الخلل في
صحة ربطه بالآية،
الضابط
الثالث: أن لا يبطل قول السلف:
والمراد
أن القول المعاصر المبني على العلوم الكونية أو التجريبية يُسقطُ قول السلف
بالكلية،
٤٨-
مصطلح معاصر حادث، وهو (الإعجاز العلمي في السُّنَّة النبوية)، فهل يصح هذا
الإطلاق؟
إذا
رجعنا إلى تراثنا المتراكم عبر القرون، وجدنا علماءنا ـ رحمهم الله تعالى ـ قد
كتبوا في هذا الأمر، لكن تحت مسمَّى (دلائل النبوة) أو (أعلام النبوة)، وهو أقلُّ
في الاستعمال من (دلائل النبوة).
ويذكرون
في كتبهم هذه أموراً:
الأول:
معجزات نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم.
الثاني:
أحواله الدالة على صدقه.
الثالث:
إخباراته بالغيب، والإشارة إلى وقوع بعض ما أخبر به.
٤٩-
قلَّبتُ الأمر في هذا المصطلح الحادث، فلم أر أننا بحاجة إليه ما دام في تراثنا ما
يغني عنه، ويدلُّ على المراد به دون مشكلات علمية، وإذا
تأملت تعريفهم للإعجاز العلمي بالسُّنَّة النبوية؛ ظهر لك يقيناً أن مدلول مصطلح
(دلائل النبوة) أصدق وأدقُّ من مدلول (الإعجاز).
٥٠-
هل يُعدُّ هذا سبقاً، وهل هذا السبق ـ لو صحَّ ـ إعجاز؟!
حقيقة
السبق تكمن في المجهود البشري البحت، وليس في ادِّعاء سبق القرآن للعلم المعاصر؛
لأن ادعاء السبق ظنِّي بلا ريب، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذه القضية المعاصرة
تفسير وتأويل لآيةٍ ما.
٥١-
يصحُّ ادعاء السبق في حالين:
الأولى:
أن تكون الآية ظاهرة واضحة بلا نزاع في أن المراد منها ما اكتشفه العلم المعاصر،
وفي هذه الحالة، فإن فهم السلف لها يُخرجها عن كونها لم تُكتشف إلا بالعلوم
المعاصرة المكتسبة، ويبدو أنه إذا وُجد أمثلة من هذا النوع فإنها خارجةٌ عن كلام
أهل الإعجاز العلمي.
الثانية:
إذا قام الباحث المسلم باكتشاف القضية المعاصرة، ثم اكتشفها الكافر بعده، فتلك
حقيقة السبق.
٥٢-
هل هناك فرق بين دلالة الآيات القرآنية ودلالة الأحاديث على المكتشفات المعاصرة؟
إذا
تأملت مجموعة من الأحاديث النبوية التي نُسب إليها (الإعجاز) ـ كما هو الحال في
التعريف الأول ـ فإنك ستلاحظ أن دلالة الحديث النبوي على القضية المكتشفة المعاصرة
أقوى من دلالة الآية التي تأتي مجملة ـ في كثير من الأحيان .
٥٣-
لقد بقي تفسير القرآن بما ورد في كتب العلوم التجريبية والكونية يسمَّى بالتفسير
العلمي، وهو اجتهاد في ربط بعض ظواهر الكون المكتشفة حديثاً بالقرآن، وإبراز أن
القرآن قد دلَّ عليها، وهذه النتيجة لا تختلف عن الانتقال من تسمية هذه الظاهرة
التفسيرية الجديدة باسم الإعجاز العلمي، فهذا يفسر، وذاك يفسر، وإنما الاختلاف في
كون المفسَّر به نظرية أو حقيقة.
54- مدلول العلم عند الطاهر بن عاشور أوسع من مدلول المعتنين بالإعجاز العلمي الذين جعلوه في (العلوم التجريبية).
55- دلائل صدق القرآن لا يمكن أن تُحصر، فكل آية من آياته دليل على صدقه، فالجهل بالاستدلال بها اليوم من قِبَلِ بعض الناس لا يعني عدم وجودها، أو أنها لا توجد إلا في الإعجاز العلمي.
56- كيف نتعامل مع تفسير السلف؟
1- معرفة ما منَّ الله عليهم به من التقدم في الإسلام، والإحاطة بعلم الشريعة، والإدراك لمعاني كلام الله.
2- أن نفهم كلام السلف ونعرفه، لكي لا نتعجَّل في ردِّه.
3- أن نبني عليه ولا ننقضه.4- أن نعلم أن اختلافهم ـ في الغالب ـ اختلاف تنوع.5- أنَّ عدم قولهم بهذا مبني على مسألة مهمة، وهي التفريق بين أمرين:الأمر الأول: أنه لا يوجد في القرآن ما لم يعرف له السلف معنى صحيحاً، وهذا يعني أنهم ـ بجمهورهم ـ فسروا القرآن كله، ولم يفت عليهم شيءٌ من معانيه.الأمر الثاني: أنَّ للقرآن وجوهاً غير التي ذكرها السلف، وأنه يجوز تفسير القرآن بالوجوه الصحيحة التي تحتملها الآية.
.............
تمّت الفوائد